كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال عمرو في حديثه عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيقيض له أصم أبكم بيده مرزبه ضرب بها جبل صار ترابًا أو قال: رميما فيضربه به ضربة تسمعها الخلائق إلا الثقلين، ثم تعاد فيه الروح فيضرب ضربة أخرى لفظ أبي داود الطيالسي وخرجه علي بن معبد الجهني من عدة طرق بمعناه: وزاد فيه: ثم يقيض له اعمى أصم معه مرزبة من حديد فيضربه فيدق بها من ذؤابته إلى خصره ثم يعاد فيضربه ضربة فيدق بها من ذؤابته إلى خصره وزاد في بعض طرقه عند قوله مرزبة من حديد: لو اجتمع عليه الثقلان لم ينقلوها. فيضرب بها ضربة فيصير ترابًا ثم تعاد فيه الروح، ويضرب بها ضربة يسمعها من على الأرض غير الثقلين، ثم يقال: افرشوا له لوحين من نار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيفرش له لوحان من نار ويفتح له باب إلى النار وزاد فيه عند قوله: وانقطاع من الدنيا: نزلت به ملائكة غلاظ شداد معهم حنوط من نار وسرابيل من قطران يحتوشونه فتنتزع نفسه كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل يقطع معه عروقها، فإذا خرجت نفسه لعنه كل ملك في السماء وكل ملك في الأرض وخرج أبو عبد الله الحسين بن الحسين بن حرب، صاحب ابن المبارك في رقائقه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول: إذا قتل العبد في سبيل الله كان أول قطرة تقطر من دمه، إلى الأرض كفارة للخطايا ثم يرسل الله عز وجل بربطة من الجنة فيقبض فيها روحه. وصورة من صور الجنة فيركب فيها روحه ثم يعرج مع الملائكة كأن معهم والملائكة على أرجاء السماء، فيقولان: قد جاء روح من الأرض طيبة، ونسمة طيبة، فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا ملك إلا صلى عليها ودعا لها: ويشيعها، حتى يؤتى بها الرحمن. فيقولون: يا ربنا هذا عبدك توفيته في سبيلك فيسجد قبل الملائكة، ثم تسجد الملائكة بعد ثم يطهر ويغفر له ثم يؤمر فيذهب به إلى الشهداء فيجدهم في قباب من حرير في رياض خضر عندهم حوت وثور يظل الحوت يسبح في أنهار الجنة يأكل من كل رائحة في أنهار الجنة، فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فيذكيه فيأكلون لحمه فيجدون في لحمه طعم كل رائحة ويبيت الثور في أفناء الجنة فإذا أصبح غدًا عليه الحوت فوكزه بذنبه فيذكيه فيأكلون فيجدون في لحمه طعم كل رائحة في الجنة ثم يعودون وينظرون إلى منازلهم من الجنة، ويدعون الله عز وجل أن تقوم الساعة، فإذا توفي العبد المؤمن بعث الله عز وجل إليه ملكين وأرسل إليه بخرقة من الجنة، فقال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان ورب عنك غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح من مسك ما وجدها أحد بأنفه قط، والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من قبل الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا دعا لها وصلى عليها، حتى يؤتى بها الرحمن فتسجد الملائكة ثم يقولون: هذا عبدك فلان قد توفيته وكان يعبدك لا يشرك بك شيئًا، فيقول مروه فليسجد فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقول: اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنها يوم القيامة ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعين ذراعًا عرضه وسبعين ذراعًا طوله، وينبذ له فيه الرياحين ويستر بالحرير، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره. وإن لم يكن معه جعل له في قبره نور مثل نور الشمس. ويكون مثله كمثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، قال: فيقوم من نومه كأنه لم يشبع من نومته، وإذا توفي العبد الفاجر أرسل الله إليه ملكين وأرسل بقطعة من نجاد أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن، فقالا: أخرجي أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى حميم وعذاب، ورب عليك غضبان أخرجي وساء ما قدمت لنفسك، فتخرج كأنتن رائحة وجدها أحد بأنفه قط وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: قد جاءت من الأرض روح خبيثة، ونسمة خبيثة فتغلق دونها أبواب السماء، ولا تصعد إلى السماء ثم يؤمر فيضيق عليه قبره ويرسل عليه حيات أمثال أعناق البخت فتأكل لحمه حتى لا تذر على عظمه لحمًا، ويرسل عليه ملائكة صم عمي يضربونه بفطاطيس من حديد لا يسمعون صوته فيرحموه، ولا يبصرونه فيرحموه، ولا يخطئون حتى يضربونه، ويعرض عليه مقعده من النار بكرة وعشيا يدعو بأن يدوم ذلك ولا يخلص إلى النار.
وخرج أبو عبد الرحمن النسائي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا احتضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: أخرجي راضية مرضيًا عنك إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان فتخرج كأطيب ريح المسك حتى إنه ليناوله بعضهم بعضًا حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض؟ فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحًا من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال: ما أتاكم؟
قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطًا عليك إلى عذاب الله فيخرج كأنتن ريح خبيثة حتى يأتوا به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح؟ حتى يأتوا به أرواح الكفار.
وخرج أبو داود الطيالسي قال: حدثنا حماد، عن قتادة، عن أبي الجوزاء، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قبض العبد المؤمن جاءته ملائكة الرحمة فتسلم تسل نفسه في حريرة بيضاء فيقولون: ما وجدنا ريحًا أطيب من هذه. فيسألونه فيقولون: ارفقوا به فإنه خرج من غمم الدنيا. فيقولون: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ قال: وأما الطافر فتخرج نفسه فتقول خزنة الأرض ما وجدنا ريحًا أنتن من هذه فيهبط به إلى أسفل الأرض.
الرد على الملحدة:
قلت: وهنا فصول ستة في الرد على الملحدة:
الفصل الأول:
تأمل يا أخي وفقني الله وإياك هذا الحديث وما قبله من الأحاديث ترشدك إلى أن الروح والنفس شيء واحد وأنه جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة يجذب ويخرج. وفي أكفانه يلف ويدرج: وبه إلى السماء يعرج. لا يموت ولا يفنى وهو مما له أول وليس له آخر. وهو بعينين ويدين. وأنه ذو ريح طيب وخبيث. وهذه صفة الأجسام لا صفة الأعراض.
وقد قال بلال في حديث الوادي: أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقابلًا له في حديث زيد بن أسلم في حديث الوادي: يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ردها إلينا في حيز غير هذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الروح إذا قبض تبعه البصر وقال: فذلك حين يتبع بصره نفسه وهذا غاية في البيان ولا عطر بعد عروس، وقد اختلف الناس في الروح اختلافًا كثيرًا: أصح ما قيل فيه: ما ذكرناه لك وهو مذهب أهل السنة: أنه جسم، فقد قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} قال أهل التأويل: يريد الأرواح، وقد قال تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} يعني النفس عند خروجها من الجسد، وهذه صفة الجسم ولم يجر لها ذكر في الآية لدلالة الكلام عليها، كقول الشاعر:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

وكل من يقول: إن الروح يموت ويفنى فهو ملحد. وكذلك من يقول: بالتناسخ: أنها إذا خرجت من هذا ركبت في شيء آخر: حمار أو كلب أو غير ذلك. وإنما هي محفوظة بحفظ الله إما منعمة وإما معذبة. على مايأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني:
الإيمان بعذاب القبر وفتنته: واجب. والتصديق به: لازم. حسب ما أخبر به الصادق. وأن الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ويجعله من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ليعقل ما يسأل عنه وما يجيب به ويفهم ما أتاه من ربه وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان. وبهذا نطقت الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار، وهذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة. ولم تفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم عليه السلام غير ما ذكرنا. وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرًا، ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه- لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة الميت في قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان له: يا رسول الله أيرجع إلى عقلي؟ قال: نعم. قال: إذا أكفيكهما. والله لئن سألاني سألتهما. فأقول لهما: أنا ربي الله فمن ربكما أنتما؟.
وخرج الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يومًا فتاني القبر. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أترد علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال: نعم كهيئاتكم اليوم، فقال عمر: في فيه الحجر. وقال سهل بن عمار: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته. فقلت له مافعل الله بك؟ فقال إنه أتاني في قبري ملكان فظان غليظان، فقالا: ما دينك؟ ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء. وقلت: ألمثلي يقال هذا؟ وقد عملت الناس جوابكما ثمانين سنة. فذهبا. وقالا: أكتبت عن حريز بن عثمان؟ قلت نعم. فقالا: إنه كان يبغض عليًا فأبغضه الله.
وفي حديث البراء: «فتعاد روحه في جسده» وحسبك. وقد قيل: إن السؤال والعذاب إنما يكون على الروح دون الجسد. وما ذكرناه لك أو لا أصح والله أعلم.
الفصل الثالث:
أنكرت الملحدة من تمذهب من الإسلاميين بمذهب الفلاسفة: عذاب القبر وأنه ليس له حقيقة، واحتجوا بأن قالوا: إنا نكشف القبر فلم نجد فيه ملائكة عميًا صمًا يضربون الناس بفطاطيس من حديد ولا نجد فيه حيات ولا ثعابين ولا نيرانًا ولا تنانين. وكذلك لو كشفنا عنه في كل حالة لوجدناه فيه لم يذهب ولم يتغير، وكيف يصح إقعاده ونحن لو وضعنا الزئبق بين عينيه لوجدناه بحاله، فكيف يجلس ويضرب ولا يتفرق ذلك؟ وكيف يصح إقعاده وما ذكرتموه من الفسحة؟ ونحن نفتح القبر فنجد لحده ضيقًا ونجد مساحته على حد ما حفرناها لم يتغير علينا، فكيف يسعه ويسع الملائكة السائلين له؟ وإنما ذلك كله إشارة إلى حالات ترد على الروح من العذاب الروحاني، وإنها لا حقائق لها على موضوع اللغة.
والجواب: أنا نؤمن بما ذكرناه. والله أن يفعل ما يشاء من عقاب ونعيم. ويصرف أبصارنا عن جميع ذلك بل يغيبه عنا. فلا يبعد في قدرة الله تعالى فعل ذلك كله بعد في قدرة الله تعالى فعل ذلك كله إذا هو القادر على كل ممكن جائز فإنا لو شئنا لأزلناه الزئبق عن عينيه، ثم نضجعه ونرد الزئبق وكذلك يمكننا أن نعمق القبر ونوسعه حتى يقوم فيه قيامًا فضلًا عن العقود. وكذلك يمكننا أن نوسع القبر ذراع فضلًا عن سبعين ذراعًا، والرب سبحانه أبسط منا قدرة، وأقوى منا قوة، وأسرع فعلًا، وأحصى منا حسابًا إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون ولا رب لمن يدعى الإسلام إلا من هذه صفته، فإذا كشفنا نحن عن ذلك رد الله سبحانه الأمر على ما كان نعم لو كان الميت بيننا موضوعًا فلا يمتنع أن يأتيه الملكان ويسألاه من غير أن يشعر الحاضرون بهما، ويجيبهما من غير أن يسمع الحاضرون جوابهما. ومثال ذلك: نائمان بيننا أحدهما ينعم والآخر يعذب، ولا يسعر بذلك أحد ممن حولهما من المنتبهين، ثم إذا استيقظا أخبر كل واحد منهما عما كان فيه.
وقد قال بعض علمائنا: إن دخول الملك القبور جائز أن يكون تأويله: اطلاعه عليها وعلى أهلها. وأهلها مدركون له عن بعد من غير دخول ولا قرب. ويجوز أن يكون الملك للطافة أجزائه يتولج في خلال المقابر فيتوصل إليهم من غير نبش ويجوز أن ينبشهما ثم يعيدها الله إلى مثل حالها على وجه لا يدركها أهل الدنيا.
ويجوز أن يكون الملك يدخل من تحت قبورهم من مداخل لا يهتدي الإنسان إليها.
وبالجملة: فأحوال المقابر وأهلها على خلاف عادات أهل لدنيا في حياتهم فليس تنقاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا. وهذا مما لا خلاف فيه. ولولا خبر الصادق بذلك لم نعرف شيئًا مما هنالك. فإن قالوا: كل حديث يخالف مقتضى المعقول يقطع بتخطئة ناقله، ونحن نرى المصلوب على صلبه مدة طويلة وهو لا يسأل ولا يحيى وكذلك يشاهد الميت على سريره وهو لا يجيب سائلًا ولا يتحرك ومن افترسه السباع، ونهشه الطيور، وتفرقت أجزاؤه في أجواف الطير، وبطون الحيتان وحواصل الطيور، وأقاصي التخوم، ومدارج الرياح، فكيف تجتمع أجزاؤه؟ أم كيف تتألف أعضاؤه؟ وكيف تتصور مساءلة الملكين لمن هذا وصفه؟ أم كيف يصير القبر على من هذا حاله روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؟ والجواب عن هذا من وجوه أربعة:.
أحدها: أن الذي جاء بهذا هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس وليس لنا طريق إلا ما نقلوه لنا من ذلك.
الثاني: ما ذكره القاضي لسان الأمة وهو: أن المدفونين في القبور يسألون. والذين بقوا على وجه الأرض فإن الله تعالى يحجب المكلفين عما يجري عليهم كما حجبهم عن رؤية الملائكة مع رؤية الأنبياء عليه والسلام لهم. ومن أنكر ذلك فلينكر نزول جبرائيل عليه السلام على الأنبياء عليهم السلام. وقد قال الله تعالى في وصف الشياطين: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}.
الثالث: قال بعض العلماء: لا يبعد أن ترد الحياة إلى المصلوب ونحن لا نشعر به كما أنا نحسب المغمى عليه ميتًا. وكذلك صاحب السكتة وندفنه على حسبان الموت، ومن تفرقت أجزاؤه فلا يبعد أن يخلق الله الحياة في أجزائه.
قلت: ويعيده كما كان. كما فعل بالرجل الذي أمر إذا مات أن يحرق ثم يسحق ثم يذري حتى تنسفه الرياح الحديث وفيه: فأمر الله البر فجمع ما فيه. وأمر البحر فجمع ما فيه. ثم قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. أو قال مخافتك خرحه البخاري ومسلم وفي التنزيل فخذ أربعة من الطير الآية.
الرابع: قال أبو المعالي: المرضي عندنا: أن السؤال يقع على أجزاء يعملها الله تعالى من القلب أو غيره فيحييها ويوجه السؤال عليها. وذلك غير مستحيل عقلًا. قال بعض علمائنا: وليس هذا بأبعد من الذر الذي أخرجه الله تعالى من صلب آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلى.
الفصل الرابع:
فإن قالوا: ما حكم الصغار عندكم! قلنا: هم كالبالغين وأن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه. وهذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار، فقد جاء أن القبر ينضم عليه كما ينضم على الكبار. وقد تقدم. وذكر هناد بن السرى قال: حدثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن كان ليصلى على النفوس ما أن عمل خطيئة قط فيقول: اللهم أجره من عذاب القبر.
الفصل الخامس:
فإن قالوا: فما تأويلكم في القبر: حفرة من النار، أو روضة من رياض الجنة؟ قلنا: ذلك محمول عندنا على الحقيقة لا على المجاز. وأن القبر يملأ على المؤمن خضرًا وهو العشب من البنات، وقد عينه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: هو الريحان كما في حق الكافر يفرش له لوحان من نار، وقد تقدم. وقد حمله بعض علمائنا على المجاز والمراد خفة السؤال على المؤمن، وسهولته عليه وأمنه فيه، وطيب عيشه ووصفه بأنه جنة تشبيهًا بالجنة والنعيم فيها بالرياض يقال: فلان في الجنة إذا كان في رغد من العيش وسلامة. فالمؤمن يكون في قبره في روح وراحة وطيب عيش، وقد رفع الله عن عينيه الحجاب حتى يرى مد بصره كما في الخبر، وأراده بحفرة النار ضغطة القبر وشدة المساءلة والخوف والأهول التي تكون فيها على الكفرة وبعض أهل البكائر: والله أعلم، والأول أصح لأن الله سبحانه ورسوله يقص الحق ولا استحالة في شيء من ذلك.
الفصل السادس:
روى أبو عمر في التمهيد عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب: أيها الناس إن الرجم حق فلا تخذ عن عنه. وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم. وأن أبا بكر قد رجم. وإنا قد رجمنا بعدهما. وسيكون أقوام من هذه الأمة يكذبون بالرجم. ويكذبون بالدجال ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها. ويكذبونها بعذاب القبر. ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا.
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: هؤلاء هم القدرية والخوارج، ومن سلك النار سبيلهم. وافترقوا في ذلك فرقًا. فصار أبو الهذيل وبشر: إلى أن خرج عن سلمة الإيمان، فإنه يعذب بين النفختين، وأن المساءلة إنما تقع في تلك الأوقات وأثبت البلخي وكذلك الجبائي وابنه: عذاب القبر. ولكنهم نفوه عن المؤمنين وأثبتوه الكافرين والفاسقين. وقال الأكثرون من المعتزلة: لا يجوز تسمية ملائكة الله تعالى بمنكر ونكير، وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجله إذا سئل، وتقريع الملكين له هو النكير، وقال صالح: عذاب القبر جائز، وأنه يجري على الموتى من غير رد الأرواح إلى الأجساد، وأن الميت يجوز أن يألم ويحس ويعلم. وهذا مذهب جماعة من الكرامية. وقال بعض المعتزلة: إن الله يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلآم وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام. وزعموا أن سبيل المعذبين من الموتى، كسبيل السكران أو المغشى عليه، لو ضربوا لم يجدوا الآلام، فإذا عاد إليهم العقل وجدوا تلك الآلام، وأما الباقون من المعتزلة. مثل ضرار بن عمرو وبشر المريسي ويحيى بن كامل وغيرهم، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلًا، وقالوا: إن من مات فهو ميت في قبره إلى يوم البعث وهذه أقوال كلها فاسدة تردها الأخبار الثابتة وفي التنزيل: النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا. وسيأتي من الأخبار مزيد بيان، وبالله التوفيق والعصمة والله أعلم. اهـ.